Développement de l’autonomie et du leadership des femmes pour la democratisation

من أنتم لتنظموا نسلنا؟

 [[{"type":"media","view_mode":"media_original","fid":"823","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"342","style":"display: block; margin-left: auto; margin-right: auto; float: right;","typeof":"foaf:Image","width":"340"}}]]

ماريانا الطباع، باحثة وإحدي شركاء شبكة نساء يعيشون في ظل قوانين المسلمين

 

من المعالم الأساسية عند توصيف واقع حال من هجرتهم الحرب في سوريا سوءاً إن كانوا النازحين في سوريا أو اللاجئين في لبنان هو ارتفاع عدد الولادات ضمن العائلات، على الرغم من الظروف التي يعيشها السوريون وعدم حصولهم على أدنى مستوى من الحياة اللائقة . يجدون العديد أن ظاهرة زيادة الولادات عبء إضافي تتحمله العائلات وعلى الأخص الأمهات كما تتحمله المنظمات والدول في تقديمها للخدمات المترافقة والجهود التوعوية,  وتتكاثف بهذا الموقف جهود ومساعي تنظيم الأسرة التي بدأت مع بداية أزمة النزوح واللجوء إلا أن نتائجها تثبت أنه يوجد هوة في مكان ما تتمثل في زيادة في أعداد الولادات و الزواج المبكر.

استجابت المنظمات الدولية لزيادة عدد الولادات ضمن برامج لتنظيم النسل متمثلة ببرامج للتثقيف الصحي والصحة الانجابية وتقديم خدمات طبية للنساء الحوامل بشكل مخصص بالإضافة إلى الخدمات الصحية الأخرى 
وتكون برامج تقديم الخدمات الصحية مترافقة مع استشارات وجلسات شخصية في بعض الأحيان , بالإضافة إلى تقديم وسائل لمنع الحمل بطريقة تأخذ طابع السرية في العديد من الحالات.

إلا أن نتائج هذه البرامج لا تنعكس على الواقع في التحكم أو التخفيض من عدد الولادات،  لا بل تزداد عدد الولادات ضمن المخيمات الغير رسمية في لبنان ومراكز الايواء في سوريا.

وفي العودة إلى سياق المجتمع السوري والنظر إلى الأسباب الكامنة وراء اختيار قرار الإنجاب , نجد أن الظاهرة تعود لعدة أسباب متصلة بمرحلة ما قبل الأزمة السورية ونمط حياة السوريين و نظرتهم للأمر.

من أهم الأسباب لزيادة عدد أفراد الأسرة السورية هو سبب ثقافي بالإضافة إلى سبب اقتصادي وسبب سياسي، فمن الممكن الاشارة إلى أن ما يقارب نصف سكان سوريا هم من سكان البدو والريف الزراعي وبالتالي إنجاب عدد كبير من الأولاد هو أمر مفضل أمام عائلة تمتلك أراضي زراعية ومواشي ، لا بل تكون حاجة لدى البعض لكي يعمل الأبناء في الزراعة والمنتجات الزراعية والحيوانية,  وبالتالي مالك الأرض ومن يعمل فيها هم من عائلة واحدة ويعيشون بالقرب من الأرض. 
وعند النظر إلى سياق آخر نجد أن النظام السياسي في سوريا قبل عام  2000 كان مشجعاً لزيادة النسل بشكل عام من خلال برامج رعاية الطفولة وتوفير مستوصفات ومراكز صحية في أرجاء القطر،  بالإضافة إلى توفير الخدمات التعليمية والصحية بشكل شبه مجاني من الدولة.  الأمر الذي بدأ بالتحول والتغيير منذ 2000 حيث ازدادت أعباء الحياة وتقلص الدعم على القطاع الصحي على سبيل المثال.

وبالتالي بدأت الظروف الاقتصادية للسنوات العشر الأخيرة في سوريا تضغط بقوة على الأسرة السورية من ارتفاع تكاليف المعيشة وتكاليف الدراسة والعلاج وطابع الحياة الاستهلاكي الذي بات يغزو جميع الأسر, هذا وانعكس الأمر بشكل مباشر لدى العائلات الشابة بضرورة تخفيض عدد الولادات إلا أن الاستجابة لم تكن تشمل جميع هذه العائلات . كان معدل الخصوبة الإجمالي (عدد الولادات لكل امرأة وفق احصائيات البنك الدولي عن سوريا, في عام 1985 قد وصل إلى  6.4 وانخفض إلى 3.1  في عام 2009 . و بالتالي نجد انخفاضاً في معدل الولادات إلا أنه من الأهمية معرفة طابع المجتمع إن كان حضري أم ريفي/بدوي.

وكما هو معروف ومتداول في المجتمع السوري أنه يأخذ طابع ذكوري محافظ،  يتمثل في الدور الاجتماعي للذكر في كونه المعيل الرئيسي للأسرة,   ومتخذ القرارات الأساسية التي تتعلق في الأسرة.  وهنا يتمثل في تهديد الزوج  بالزواج مرة أخرى أو تعرض زوجته للطلاق في حال عدم تلبية رغبته في الإنجاب وفي بعض الحالات يصل الأمر إلى رغبة الزوج و/أو أفراد العائلة الكبرى في استمرار المرأة في الانجاب إلى انجاب الذكر "الصبي" و عند الرفض أو عدم انجاب الذكر يقوم الرجل بالزواج من امرأة ثانية ضمن الشريعة الإسلامية اعتقاداً منه بأن الزوجة الثانية ستنجب الذكر.
هذا الأمر بات شائعاً في سوريا لدرجة أنه تم انتاج مسلسل درامي يوثق هذه الحالة ويعكس واقعها في مسلسل "أبو البنات" و يحاول معالجتها بطريقة درامية.

 ويجدر بالذكر أنه ما زال إلى الآن اعتقاداً سائد أن المرأة هي التي تحدد جنس المولود وبالتالي تتعرض للمضايقات كونها تنجب اناثاً فقط. هذا بالإضافة إلى وجود نقطة هامة ومنتشرة هي أن الزواج كمؤسسة لن يستقر بشكل فعلي إلا حين يتحول إلى أسرة وعند انجاب الذكر بشكل خاص وبالتالي يتم القاء مسؤولية استقرار الزواج في هذه الحالة على المرأة.

هذا ويلعب عامل إضافي في الموضوع أن إثبات رجولية وفحولة الذكر في بعض المجتمعات يكمن في انجابه لعدد كبير من الأولاد و بالتالي قد يتعرض لنوع من تقليل الشأن في حال استمر في الزواج ولم يقترن بالإنجاب.
ونستطيع ملاحظة أن قرار الانجاب في المجتمع السوري متناول وبكثافة في الأوساط الدينية من خلال أئمة الجوامع والدروس الدينية ضمن الشريعة الاسلامية.
فيتم التطرق إلى الموضوع من زاوية التحفيز على الانجاب وعدم القلق من التبعات الاقتصادية المستقبلية، فعند ذكر موضوع تحمل الأعباء المادية الإضافية لقرار الإنجاب كانت عبارة "بيجي الولد و بتجي رزقته معه" تتردد دوماً, بالإضافة إلى ذكر الحديث النبوي "تكاثروا فإني مباه بكم الأمم".


كما يوجد عامل ضاغط على المرأة في عدم بوحها بالمشاكل الجنسية التي قد تتعرض لها أو استشارة اخصائيين في بعض الحالات فيتم ترديد عبارة "كل شي بيصير بغرفة النوم ما بيطلع لحدا" و بالتالي لا تستطيع المرأة البوح لمحيطها في العديد من الأحيان وبناءاً على رغبة الرجل عن كيفية اتخاذ قرار الانجاب.

جميع العوامل السابقة تساهم في تشكيل العقلية السورية تجاه موضوع الإنجاب واتخاذ القرار بذلك, إلا أن الوضع الراهن يساهم بطريقة إضافية من خلال الظروف الانسانية الصعبة والتهديد المباشر للحياة وخسارة العديد من العائلات لأفرادها كقتلى أو معتقلين أو مخطوفين ، فيوجد تهديد مباشر للحياة ويبدو نمط سائد في ظل الحروب والأزمات أن تزداد الولادات,  وبالتالي تتردد بعض العبارات عند سؤال الأفراد عن سبب الاستمرار في الانجاب مثل "عم نعوض يللي راحو" .

هذه العوامل العديدة و المتنوعة لا يتم أخذها بعين الاعتبار عند قيام مسؤولي المنظمات الدولية أو المحلية بالتخطيط و تصميم برامجهم لمعاجلة هذه الظاهرة,  و بالتالي تنعكس في أداء عاملي الإغاثة من خلال نشاطهم التثقيفي مع النسوة, فيتم التعامل مع موضوع الانجاب ضمن هذه الظروف كحالة غريبة وسلوك لا يتسم بالمدنية وفي بعض الأحيان يتم خلق صورة نمطية عن العائلة السورية بكثرة عدد أفرادها دون تحمل الأبوين مسؤولية الانجاب.

وبالعودة إلى جلسات التوعية التي تحصل في المخيمات ومراكز الإيواء فلا يتم التوجه فيها للرجال حول الموضوع, على الرغم من أن الطرف الذي يحدد قرار الإنجاب في معظم الحالات هو ليس الأنثى, فقد تكون العائلة أو الزوج في أغلب الأحيان.

يتم إجراء ندوات و جلسات توعوية حول صحة الحامل و صحة الطفل والارضاع الطبيعي, يترافق الأمر بوجود طبيبة نسائية للاستشارات الشخصية - وهو ليس متوفر دائماً- يتم توزيع الواقيات الذكرية و في أغلب الأحيان أيضاً يتم رفض استخدامهم و بالذات من قبل الذكور وينسب البعض أن استخدام الواقي "حرام".

تتعدد العوامل وتتداخل لتفسير هذه الظاهرة الاجتماعية, لا يمكن اختزالها بعامل أو عاملين, و لعل على المنظمات أن تركز على موضوع قنوات التواصل بين المثقفين والنازحين أو اللاجئين السوريين, فيتم طرح موضوع الإنجاب من قبل عاملات إغاثة شابات ليس لديهن الخبرة العملية والحياتية في موضوع الإنجاب, و بالتالي التطرق إلى موضوع حساس من قبل شخص غريب يتحدث عن قرار أساسي في الأسرة ويتسم بطابع التلقين والنصح و الارشاد دون استخدام منهج الدردشة والحوار للاستفادة من خبرات هؤلاء النسوة في الحديث, و الغوص فعلا للتفاصيل. الأمر الذي يزيد من صعوبة البوح والتحدث في موضوع.

بالإضافة إلى شعور إجمالي بالحساسية والفوارق الاجتماعية والطبقية عند التحدث بخطاب النصح و"الشخص الذي يعلم أكثر", فيحصل رفض ضمني وغير صريح للخطاب كأسلوب أولا و كمحتوى ثانياً, فعلى المنظمات بناء الثقة أولا و كسر الحاجز و من ثم العمل على تواصل قوي و فعال و متبادل يعزز من هذه الثقة, آنذاك أصبح من الممكن الحديث و مناقشة موضوع الإنجاب ومن ثم تناول فعلي لأسباب الظاهرة دون تناولها بشكل سطحي وسريع. وذكرت إحدى العاملات في هذا المجال أن وجود طبيبة نسائية أمر هام جداً, وخاصة في حال  كانت ذات خلفية دينية تستطيع ابداء رأي صريح في بعض المقولات الشائعة حول الأمر.

وهنا نجد أن جهود من يعمل في مجال الصحة الانجابية مع السوريين خلال الأزمة الراهنة من منظمات دولية كانت أم محلية أو جهود من الحكومات لا تنعكس على أرض الواقع بالشكل المطلوب, ويمكن مناقشة مؤشرات أثر هذه البرامج على الواقع, وعدم تضمينها لمشاركة فعلية من النسوة السوريات في التخطيط والتصميم والتنفيذ لهذه البرامج واستخدام أساليب وطرق مقبولة مجتمعياً, بالإضافة إلى استهداف الذكر في هذه البرامج.

لا تبدو عبارة "من أنتم لتنظموا نسلنا؟" علنية في الحقيقة لعدم وجود قنوات تصل فيها هذه العبارة, ويتم التعامل معها بجدية, لكنها تتردد في أوساط هؤلاء النسوة في جلساتهن وعدم استجابتهن لهذه الجهود.