برنامج تطوير قيادة المرأة وتمكينها لعملية الديمقراطية

مدونة الأسرة المغربية

كتبت سوسن زكزك: أقر البرلمان المغربي بالإجماع القانون (70.30) بمثابة مدونة للأسرة المغربية، عوضاً عن مدونة الأحوال الشخصية السابقة والتي كانت تشابه قوانين الأحوال الشخصية العربية، وبوشر العمل به في 3/2/2004.

لقد سبق هذا (الإجماع) نقاشات ساخنة داخل اللجنة الملكية الاستشارية لإصلاح المدونة (نقاش طاول كل النقاط تقريباً)، لكن (عناد) وإصرار النساء داخل اللجنة أدى إلى التوصل إلى حلول توافقية أقرها الملك بعد ذلك.



وجاء في ديباجة المدونة (القانون) أنها صيغت (بأسلوب قانوني فقهي حديث، متطابقة مع أحكام الإسلام السمحة ومقاصده المثلى، واضعة حلولاً متوازنة ومنصفة وعملية، تنم عن الاجتهاد المستنير المتفتح، وتنص على تكريس حقوق الإنسان والمواطنة للمغاربة نساء ورجالاً على حد سواء..).



جاءت المدونة (القانون) بإصلاحات جوهرية طالت مفهوم الزواج نفسه الذي تحول من (عقد نكاح) إلى (عقد الزواج). ولعل أهم الإصلاحات كانت:



1 ـ جعل مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين (كلمة الملك أمام البرلمان).



2 ـ جعل الولاية حقاً للمرأة الرشيدة (المادة 24).



3 ـ مساواة المرأة بالرجل بالنسبة لسن الزواج الذي أصبح 18 عاماً.



4 ـ الأساسي الشرعي للصداق هو القيمة المعنوية والرمزية وليس المادية.



5 ـ تحمل الزوجة مع الزوج مسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال وتنظيم النسل.



6 ـ جواز الاتفاق بين الزوجين، في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج، على آلية للتصرف بالأموال المكتسبة أثناء فترة الزوجية، وفي حال عدم الاتفاق يترك التقدير للقاضي، عند انحلال الزواج، تبعاً لمساهمة كل منهما في تنمية أموال الأسرة.



7 ـ للزوج والزوجة الحق في ممارسة الطلاق الذي يتطلب إذناً من المحكمة، وإلغاء الطلاق الشفوي (مع استثناءات نادرة)، واعتبار العنف سبباً كافياً لأن تطلب الزوجة الطلاق وكذلك اعتبار زواج الزوج بأخرى ضرراً يعطي الحق للمرأة (الزوجة الأولى) في طلب التطليق.



8 ـ اعتبار مصلحة الطفل في الحضانة من خلال تخويلها للأم ثم للأب، حتى وصول الفتى والفتاة لسن 15 سنة وبعد ذلك يجري التخيير، وجعل توفير سكن لائق للمحضون واجباً مستقلاً عن بقية عناصر النفقة، مع الإسراع بالبت بقضايا النفقة في أجل أقصاه شهر واحد.



9 ـ حماية حق الطفل في النسب في حال عدم توثيق عقد الزوجية (لأسباب قاهرة).



10 ـ تخويل الحفيد والحفيدة من جهة الأم، على غرار أبناء الابن، حقهم في حصتهم من تركة جدهم.



11 ـ قبول عقد الزواج المسجل في موطن الإقامة (بالنسبة للمهاجرين) وذلك وفق الأصول المعمول بها في بلد الاغتراب، شريطة حضور شاهدين مسلمين.



كما وبرز اهتمام خاص بالطفل المعوَّق.



أما أهم المسائل التي لم يطلها التعديل العميق فهي:



1 ـ الإبقاء على حق الرجل في تعدد الزوجات حيث أن التعدد قيّد فقط، فأصبح مشروطاً باقتناع القاضي وموافقة الزوجة الأولى وإعلام الزوجة الثانية بأن الرجل متزوج.



2 ـ حرمان الأم الحاضنة من حقها بالحضانة إذا تزوجت مع استثناءات قليلة (إذا كان المحضون لم يبلغ الـ7 سنوات أو إذا كان من ذوي الاحتياجات الخاصة..).



3 ـ أحكام الإرث إن كان من حيث الحصة أو منع التوارث بين المسلمين وغيرهم.



لقد أكد الملك محمد السادس في كلمته أمام البرلمان أن الغاية الأساسية من المدونة (القانون): (تبنّي صياغة حديثة بدل المفاهيم التي تمس بكرامة وإنسانية المرأة). واعتبر الإصلاحات (مكاسب للمغاربة أجمعين)، بحيث تجمع المدونة بين (رفع الحيف عن النساء، وحماية حقوق الأطفال، وصيانة كرامة الرجل).



وعلى الرغم من أن هذه الغاية لم تتحقق على أكمل وجه، إلا أنه من المؤكد أن خطوة كبيرة قد قطعها المجتمع المغربي على طريق تقدمه، وإعادة الاعتبار إلى نسائه اللواتي قدّمن ويقدّمن الكثير، كما وأنهن ما زلن ينتظرن الكثير.



لقد أعلنت المرأة المغربية أنها إذ تقدر ما تحقق، إلا أن يوم الثامن من آذار لم يتحول إلى عيد بعد، وهو هذه السنة (استراحة المحارب)، حيث ستنطلق إلى الإعداد لتعديل قانون الجنسية في المغرب، لتنال حقوقاً مساوية للرجل المغربي، وبعدها لا بد أنها تعود ثانية إلى مدونة الأسرة!



ولعل من المفيد التذكير بأن النساء المغربيات قد خضن نضالاً شاقاً في سبيل إحقاق مواطنيتهن الكاملة، إلا أن التحول النوعي في مسيرتهن قد بدأ مع بداية الانفراج الديمقراطي في المغرب (1993). أما أهم العوامل المساعدة فكانت:



1 ـ بروز عدد من الجمعيات النسوية التي اتفقت على برنامج مطلبي واشتغلت حتى على تفاصيله، وتعاون بنّاء بينها قام على أساس من الاحترام وتغليب المصلحة الواحدة.



2 ـ دعم القوى التقدمية لهذه الحركة وتبني مطالبها في البرلمان.



3 ـ إرادة سياسية حكومية.



والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كان بالإمكان إنجاز قوانين للأسرة أكثر تطوراً من المعمول بها حالياً في أغلب البلدان العربية اعتماداً على الفقه الإسلامي، فلماذا يبقى (أولو الأمر) متمسكين بالتفسيرات الأكثر تخلفاً وانتهاكاً لإنسانية المرأة؟!



فهل تكون المغرب قدوة أخرى بعد تونس التي اعتمد قانونها أيضاً المرجعية الفقهية الإسلامية؟ أم أننا لا نرضى قدوة إلا ما يشدنا إلى الخلف؟!



أعتقد أننا لم نعد سذجاً لنقبل أية إجابة أو حتى لنصدق بأن النوايا حسنة والرغبة موجودة ولكن..!؟



" رابطة النساء السوريات"